حكم صورة الرجل الذي يرمي القمامة
السائل: نجد في بعض العبوات، مثلا، قوارير الماء، رسمة على شكل وهيئة إنسان يرمي بالقارورة أو بالعبوة في القمامة، علما بأن ملامح هذا الشخص مطموسة.
هل يعد هذا من تصوير ذوات الارواح؟
الشيخ يحيى بن علي الحجوري: هي صورة، التي تراها على شكل إنسان كأنه يرمي بذلك الشيء. الشركة تجعل تلك الصورة لتعلم المشتري أنه إذا اشترى هذا الشيء وشرب ما فيه أو أخذ ما فيه، رمى بالقارورة.
هذا لا يحتاج إلى تصوير ذوات أرواح، فتطمس. لا تدع صورة إلا طمستها. نعم.
المصدر: https://sh-yahia.net/show_sound_16757.html
قلت: الحمد لله. فقد فصلت في هذا الأمر في كتابي البزوغ، وكنت أرغب في أن يوافق تفصيلي تفصيل أحد العلماء. ذلك لأن مسألة التصوير تعاني من تساهل شديد، ومثل هذا التفصيل يشنع على صاحبه ويتهم بالتشدد والجمود والغلو. سبحانك هذا بهتان عظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وإليك تفصيلنا المذكور آنفا:
5. بيان حال الرموز التعبيرية:
وهاته مسألة لم تُضبط كما ينبغي، وذلك بسبب دقتها وقلة من تكلم عنها مع خبرته بها، فوقع الكثير من التساهل، والتشنيع على من ينكرها من طرف الجاهلين، لا لشيئ إلا لأن تلكم الرموز صغيرةٌ على هواتفهم، فاستصغروا شأنها، وكأني بهم تناسوا أو تغافلوا قول اللّه تعالى: { مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } [الكهف: 49]. فكيف والتصوير من أعظم الكبائر؟
وبما أننا أُمرنا أن نرد أي نزاع إلى اللّه ورسوله، فسنبين أصلا يبين ضابط هاته المسألة.
قد جاء في ما روي عن أبي هريرة — رضي اللّه عنه — أن جبريل — عليه السلام — أمر بقطع رأس الصورة حتى تصير كهيئة الشجرة، وهذا الضابط.
وقوله «تصير كهيئة الشجرة» ليس معناه أن الجذع المتبقي يبدو شجرة، وهذا ظاهر ومعلوم، ولكن معناه أن الصورة المقطوعة الرأس تشترك مع الشجرة في انعدام ما يوحي برأس ذات روح، وهذا يبينه ما رواه ابن عباس — رحمهما اللّه تعالى —: «الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فلا صورة».
ثم نذكر كلام الإمام الألباني وابنته الشيخة سكينة — رحمهما اللّه تعالى — حول الصور وطمسها:
«(9) س: هل يجوز رسمُ جزءٍ من الوجه، كالفم فقط، أو العين فقط( 1 ) ؟
أبي: نعم، إنما الاعتبارُ بالرأس.»1.
وقالت في الحاشية:
«(1) (فقط) فليس المقصود ما هو منتشرٌ انتشارًا مؤسِفًا -خاصة في الشبكات والجوالات- مِن رسمِ دائرة وفيها نقطتان هما عينان وخُطوطًا هي بين فمٍ وأنفٍ، وأحياناً يكتفون بأحدهما! فهذه صورةٌ لا تدخل في سؤالي هذا، والوالد يُفْتي -كما سبق أعلاه- بأنَّ التخلُّصَ مِن الصُّورة يكون بالإطاحةِ بالرأس، ولا يكتفي بمحو معالمِ الوجْهِ أو بعضِها مع بقاء دائرةِ الرأس! فليُتنبَّه!».
قلت: وهذا تفصيل جيد، ولكن لدي تعقيب أظنه مُهِمًّا، فباللّه مستعينا أقول:
الصحيح أن الرموز التعبيرية التي تكون دوائر مسطحة وذات ملامح، وجوه، وليست رؤوسا. فنقول: «دائرة الوجه»، وطمس ملامحها يكفي ولو بقيت الدائرة، إذ لا دلالة على أن تلك الدائرة وجه بعد اختفاء الملامح، فيكون مثلها مثل الدائرة العادية.
ولكن، لو كان الرمز التعبيري يَظْهر دائرة فوق جذع، فهنا وجب طمس الدائرة ولو كانت عديمة الملامح، لأن الجذع دلالة على أن تلك الدائرة رأس.
والتصوير إنما هو قائم على الإيحاء للرائي بالأشكال والألوان، فمتى ظهر لك أن هذا وجه أو هيكل إنسان كامل، كذاك الرجل الذي على أغلفة المنتجات، يرمي القمامة في سلة، أسود اللون ولا ملامح له، فحتى ذاك صورة محرمة، لأني إن سألتك: «ما هذا؟»، لبادرت وقلت: «صورة رجل». فبادر بالطمس أخي المسلم.
مثال آخر: لو رسم أحدهم عينين وفمًا على كوب، فيكفي طمس تلك الملامح لأنها دلالة على وجه فقط.
هذا، ويدخل في المسألة الورع وتوقي الشبهات، خاصة في زمن اشتد فيه التحايل على شرع اللّه، واللّه أعلم.
ثم أقول: الكثير يستهين بالرموز التعبيرية المنتشرة على الشبكة، ظنًّا أنها ليست صورًا لأنها تبرز بعض الملامح فقط.
والصحيح أنها صور، لأن الوجه صورة بحد ذاته، وغياب بعض الملامح لا يغيّر الحكم، إذ يحرم تصوير أصحاب العيوب الخلقية، كمن فقد الأنف مثلًا.يبقى الفرق في أنه لو انعدمت العينان والأنف والفم، فتصوير هذا الإنسان محرم، ما دام للرأس وجود. أما الرموز التعبيرية — إن كانت تبدو مسطحة —، فيزول منكرها بزوال ملامحها، إذ هي وجه دون رأس كما بَـيَّـنّا.
وإليك فتوى اللجنة الدائمة حول رسم الخضر والفواكه وكأنها ذوات أرواح، وقد سطرت ما أردت التنبيه عليه:
«الفتوى رقم (19855)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، على ما ورد إلى سماحة المفتي العام، من فضيلة مدير مركز الدعوة والإرشاد بالدمام، بخطابه رقم (22\1\1191) وتاريخ 8 \8\1418هـ، ومشفوعه الاستفتاء المقدم من سعادة مدير عام تعليم البنات في المنطقة الشرقية، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (4744) وتاريخ 13 \8\1418 هـ، وقد سأل المستفتي سؤالا هذا نصه:
نفيد فضيلتكم بأننا زودنا بعض أصحاب الفضيلة المشائخ بالمركز بمجموعة من الصور من قسم الاقتصاد المنزلي، بإدارة الإشراف التربوي بالإدارة لدينا، هذه الصور خاصة بمادة الاقتصاد المنزلي، والذي يتناول ضمن دروسه (التغذية) والقيمة الغذائية للخضار والفواكه، وكنوع من وسائل الإيضاح، فإن بعض المدارس ترسم لوحات لهذه الخضار، وتضع للحبة الواحدة منها العينين والأنف والشفتين والأطراف (أيدي - أرجل) ، وربما الملابس، مع بعض الحركة، كنوع من التجديد في الصورة، ومحاولة لجذب انتباه الناظر لها، بالإضافة للإيحاء بفوائد ومميزات هذا النوع من خلال الإطار العام للصورة، واحتياطا من الوقوع في التصوير المحرم، أو التشبه بتصوير ذوات الأرواح. فإنا نأمل منكم توضيح ذلك بتزويدنا - عاجلا ما أمكن- بفتوى في هذا الموضوع.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
الأشكال المذكورة المشتملة على صور ذوات الأرواح لا يجوز عملها ولا إقرارها في مناهج الدراسة في بلاد المسلمين؛ لأنها داخلة في عموم أدلة تحريم التصوير، وليس هناك ضرورة إليها للتعليم والإيضاح، بل يمكن الاستغناء عنها، مع حصول العلم والفائدة المرجوة، وقد مضى على هذه الأمة قرون متطاولة وهم في غنى عنها، وصاروا مع ذلك أقوى الأمم علما وأحسنها إدراكا وأكثرها تحصيلا، وما ضرهم ترك الصور في دراستهم، فليس لنا أن نرتكب ما حرم الله من التصوير لظننا أنه ضرورة، وليس بضرورة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز»2
1 "سألت أبي العالم الإمام محمدا ناصر الدين الألباني" — ط الريان — (صفحة 31).
2 «فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية» (1/ 321 — 322).